الجمعة، 12 يوليو 2019

ليس الحُبُّ الاحتفاظ بمن نُحِبُّ حولنا





يقول الأخصائي والمحلل النفسي الانجليزي "جون بولبي John Bowlby" في نظريته عن التعلق، أن الطفل يستخدم علاقته القوية مع الشخص الذي يمنحه الرعاية والعطف والاهتمام كـ"قاعدة آمنة" لاستكشاف العالم الخارجي. ويوضح أن التعلق يمثل التوازن بين حاجته إلى الشعور بالأمان والاطمئنان وحاجته لاكتشاف محيطه، ولا يمكن أن يفعل هذين الأمرين إن لم يتأكد من وجود هذه القاعدة الآمنة ليرجع إليها حينما يشعر أنه خائف أو مهدد أو محتاج إلى حماية.
فالطفل الذي يجلس في حضنك بحب وأمان، سيصل إلى مرحلة في حياته تُحَتّم عليه أن يذهب ليكتشف المحيط من حوله، وفي مرحلة أثناء سيره، سيعود ليلتفت وينظر إليك، فلو قلت له؛ اذهب يا صغيري، العالم مكان رائع، اذهب إليه، هناك الكثير من المرح، هناك أشياء عظيمة للاكتشاف والاستكشاف. سيتمكن هذا الطفل من الذهاب وتجربة الاتصال والانفصال في نفس الوقت، سينطلق خياله، وينطلق جسده، ولعبه، مع علمه أن هنالك أحداً ينتظره عندما يعود.
لكن إذا كان هناك شخص يقول لطفل آخر، أنا قلق، أنا حريص، أنا خائف عليك، لا يوجد شيء هناك، لدينا كل شيء تريده هنا، أنا هنا سأفعل لك ما تريده معي... هذا الطفل سيفضل أن يفقد جزءاً من ذاته على أن يفقد هذا الشخص المتعلق به. سيفضل أن يفقد حريته على أن يفقد الآخر، ولا يفقد الاتصال معه، وسيكبر ويحب ويتعلق مع قلق زائد، ولن يعرف كيف ينفصل ويترك ذاك الشخص من أجل الذهاب للعب وتجربة متعة الاستكشاف.
طفل آخر في نفس الوضعية قد يذهب لاكتشاف العالم، لكن سيظل يتساءل؛ هل سيقوم بتأنيبي؟، هل سيغضب مني؟... هذا الطفل قد يذهب، لكنه لن يكون قد ابتعد كثيرا، لأنه يشعر بالذنب، ذنب الاكتشاف !
طفل آخر ، قد يذهب ولا يعود!!.
لو نترجم هذه الوضعيات إلى لغة الكبار.. لغة العلاقات بين الراشدين.. وهذا من شأنه أن يفتح لنا أبواباً لمواضيع كثيرة.
فلو أراد أحد الطرفين في أي علاقة.. حب أو زواج .... أن يستمر في استكشاف هذا العالم وتجربة مغامراته، سيكون أمام وضعين:
من جهة يريد الأمان والاستمرارية مع هذا الشخص، ومن جهة أخرى يريد أن يجرب متعة المغامرة، ربما بتحقيق هدف أو حلم أو أمنية ما.. فمثلما يؤثر خوف وقلق الشخص المتعلق به على اكتشاف الطفل للعالم الخارجي، يؤثر أيضاً على أحد الطرفين في أية علاقة، فتقيد تلك الرغبة وذاك الشغف في أن يعرف أكثر عن هذا العالم.
كل هذا يعتمد على مدى توفر مسافة بين الطرفين، مسافة أمان تسمح بالاكتشاف، والاعتماد على الآخر مع العلم أنه هناك لا يزال ينتظره بنفس الحب.
هذا الأمر لن ينجح إلا إذا حافظ كلا الطرفان على هذه المسافة وقدسا أهميتها.
إنه ذكاء المسافة.. المسافة التي تجعلك تختبر مع نفس الشخص: الأمان، الراحة، الحب، الثقة، الألفة، والاستمرارية، وفي نفس الوقت: التجديد، المغامرة، المجازفة، الغموض والمخاطرة..
هي المسافة التي تسمح للعلاقة أن تستمر .. بأن تنظر إلى نفس الشخص على أنه مألوف ومعروف جداً، وفي نفس الوقت غامض وبعيد المنال إلى حد ما. هو الغموض الذي يجعلك تنظر إلى هذا الشخص بعيون جديدة.
هذه المسافة هي التي تسمح بالتوافق بين حاجات أساسية للإنسان، قد تبدو للوهلة الأولى أنها حاجات متناقضة يجب أن تتوفر في علاقة واحدة.
ومع ذلك..
لا تقتحموا تلك المسافة باسم الحب..
تلك المسافة هي تضمن أنك لم تخسر نفسك وإن أحببت شخصاً آخر
تلك المسافة التي تسمح لذاك الشغف أن يستمر، شغف الاستكشاف
تلك هي المسافة الخاصة بك.. وهي أيضا المسافة الخاصة بالطرف الآخر
هي تماما مسافة مقدسة.
كما تقول مورل مفروي مؤلفة رواية بنت مولانا:

"ليس الحُبُّ الاحتفاظ بمن نُحِبُّ حولنا، لكن الحُبّ رابطةٌ بينَ الناسِ تجعلُهم يزدهِرُون" .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق